إذا كنت تعتقد أن النقاشات الجادة تقتصر على ميادين المعارك والسياسة، فأنت مخطئ! هناك ساحة أخرى لا تقل سخونة عن تلك الميادين، وهي ساحات الفيسبوك. المفسبكون هم أبطال هذه الساحة، حيث لا تتطلب الحروب هنا سوى لوحة مفاتيح واتصال بالإنترنت. في ثوانٍ معدودة، يستطيعون إشعال جدال لا ينتهي، وغالبًا ما يكون حول أمور لا تستحق حتى التفكير.
معركة “صباح الخير” العظيمة
خذ على سبيل المثال أبسط منشور في الفيسبوك: “صباح الخير”. يبدو بسيطًا، أليس كذلك؟ لكن لا! المفسبكون لديهم القدرة السحرية على تحويله إلى مناقشة عميقة حول تأثير القهوة على الاقتصاد الوطني. تبدأ التعليقات بتبادل المجاملات، ثم يتحول الموضوع فجأة إلى الحديث عن الظروف السياسية الراهنة. وسرعان ما يظهر التعليق القنبلة: “ما الفائدة من قول صباح الخير ونحن في أزمة كهرباء؟” ومن هنا تبدأ معركة لا تنتهي!
أساطير النقاشات العبثية: أبطال بلا منازع
الحقيقة، أن هؤلاء المفسبكين هم كائنات رقمية خارقة. يستطيعون الحديث عن كل شيء بلا استثناء: من تركيبة الشاي إلى المؤامرات الكونية. يفتخرون بموسوعتهم المعرفية اللامتناهية، التي غالبًا ما تستند إلى “قالوا لي” و”سمعت من صديق”. المشكلة أن هذه النقاشات، التي تبدأ عادةً بضحكة أو مزحة، تتحول إلى جبهات ملتهبة تُستنزف فيها طاقات عقلية كان من الأفضل أن تُستخدم في أشياء أكثر فائدة، مثل محاولة فهم لماذا الإنترنت بهذا البطء الرهيب!
الفسبكة: رياضة وطنية بامتياز
في هذا المشهد العبثي، الفسبكة أصبحت رياضة وطنية. لا تحتاج إلى مهارات خاصة، فقط هاتف وحساب فيسبوك. المفسبكون يقضون ساعات يومياً في تقليب المواضيع، نشر الشائعات، وصناعة نظريات مؤامرة جديدة. التحدي الأكبر بالنسبة لهم ليس في الوصول إلى الحقيقة، بل في الفوز بالنقاش، بغض النظر عن مدى تفاهته. وبينما يشتد الجدل، تجدهم يستخدمون كل أسلحة “التنظير” المتاحة: فيديوهات يوتيوب، روابط عشوائية، وأحياناً حتى صور قطط لتلطيف الجو.
التباهي بالجهل
لعل أكثر ما يثير السخرية هو أن المفسبكين يبدون أحيانًا وكأنهم يتبنون مبدأ “الجهل قوة”. فكلما كان الحديث عن موضوع لا يفقهون فيه شيئًا، زادت حماستهم في طرح الآراء والتفسيرات التي لا تمت للواقع بصلة. النقاش حول الأمراض؟ لديهم علاج سحري من أعشاب جبلية قديمة. أزمة الطاقة؟ الحل بسيط، “لو بس المسؤولين كانوا يستمعون لنا، كنا حلت المشاكل كلها!”
نحو الانقراض الذاتي
الظاهرة في طريقها إلى الانفجار الذاتي. فبعد سنوات من النقاشات المتواصلة والمواجهات الرقمية التي لا تؤدي إلى شيء، بدأ البعض يشعر بالإرهاق. يبدو أن المفسبكين في مرحلة تشبع كاملة من الجدل العقيم. البعض منهم قرر “الاعتزال” والعودة إلى الحياة الحقيقية، حيث يمكن للنقاشات أن تؤدي إلى شيء فعلي مثل بناء علاقات أو حتى مجرد الاستمتاع بصباح هادئ بدون التفكير في إنقاذ العالم عبر الفيسبوك.
وداعًا أيها المفسبكون
إذا كنت واحدًا من هؤلاء المفسبكين، فلا داعي للقلق. هناك أمل دائم في الشفاء! يمكنك البدء بإغلاق تطبيق فيسبوك لمدة ساعة واحدة فقط يومياً، وسترى الفرق في حياتك. ربما ستكتشف أن العالم ليس بحاجة إلى رأيك في كل موضوع، وأن هناك متسعًا من الوقت للاستمتاع بأشياء أخرى غير النقاشات العقيمة. وفي النهاية، ربما حان الوقت لأن نترك المعارك الوهمية ونركز على حل المشاكل الحقيقية، خارج عالم الفيسبوك المليء بالضوضاء والعبث.